التجول في المدن الألبانية يُشعر المرء بأن الزمن توقف للحظة حتى يستعيد أنفاسه، قبل الرجوع إلى الحلبة لاستكمال السباق. ويتركز هذا الإحساس في المدن القديمة، خاصة تلك التي نجت من معاول التخطيط الشيوعي مثل برات Berat وجيروكاسترا Gjirokastra .
برات تعتبر من اقدم المدن في المنطقة، حيث يوجد بها بقايا لآثار ترجع للقرن السادس قبل الميلاد، ولكن أهم فترة مرت بها كانت خلال القرن الثامن عشر حيث اعتبرت من أهم المدن الألبانية في الدولة العثمانية.
أول شئ سيشدك إلى برات هو منظر المنازل البيضاء المتناثرة على التلال، والتي تجذب العين بلونها الأبيض الساطع ونوافذها الخشبية المتشابهة. ولهذا يطلق على برات اسم “مدينة الألف نافذة”.
عندما تتمشى في طرقات المدينة القديمة، توقع أن يسلم عليك بعض السكان ويحاولون تبادل الحديث معك حتى لو ببضع كلمات انجليزية يعرفونها. لا تجعل تجربة السائحين في مصر تقلقك، ففي الأغلب هم يريدون فقط إرواء فضولهم أو تمضية الوقت، خصوصاً خلال وقت تمشيتهم المسائية اليومية (جيرا Xhira).
عادة يقوم السائحون بزيارة برات خلال اليوم نظراً لصغرها ثم يستكملون طريقهم نحو الجنوب أو يرجعون إلى العاصمة تيرانا بسبب قرب المسافة. إلا أنني قررت قضاء الليلة في فندق، هو في الأصل منزل عتيق تم تجديده بعد سقوط الشيوعية ليكون أول فندق يفتتح في برات. ذكرني المبنى بالمنازل الأثرية في القاهرة الإسلامية، بوجود حوش داخلي، وعدة أجنحة مختلفة، والسقف العالي المزخرف بالأعمال الخشبية اليدوية.
كما تشتهر برات بقلعتها فوق الجبل، والتي أنشئت في القرن الثالث عشر كحماية للمدينة. يوجد بالقلعة عدة مساجد وكنائس أثرية، كرمز تاريخي للهلال مع الصليب. والغريب أن تلك القلعة العتيقة لا تزال مأهولة بالسكان حتى وقتنا هذا! هل ممكن تخيل على سبيل المثال قلعة صلاح الدين تسكنها بعض العائلات التي تقدر المكانة التريخية لمساكنهم واستمرار محافظتهم عليها عبر السنوات! إنه أمراً يدعو حقاً للإعجاب!