“كثير من الرجال يستكشفون العالم بأسره سعياً لتكوين ثرواتهم. أما أنت يا بني, فستجد الثروة أثناء سعيك لاكتشاف العالم”. أمين معلوف – رواية (ليون الأفريقي)
قليل منا يعرفون من هو ليون الأفريقي Leo Africanus بالرغم من اهتمام الدوائر العلمية الغربية به, خاصة تلك المتخصصة في التاريخ و الجغرافيا, إذ يعتبرونه من الرواد في البحث الجغرافي في أفريقيا , فقد قدم خدمات جليلة للثقافة و البحث ساهمت في إثراء الثقافة الغربية خلال عصر النهضة.
يوحنا ليون الأفريقي هو الحسن بن محمد الوزان الزياتي, ولد في غرناطة في عام 894هـ, أي قبيل دخول الملكة إيزابيل و زوجها الملك فرديناند. و عندما طرد العرب من آخر مدينة لهم في الأندلس بعد حكم قارب السبعة قرون, هاجرت أسرته للمغرب للعيش بمدينة فاس. في هذه الفترة كانت فاس تتزعم العواصم المتمدينة حضارة و علماً, و عليه ليس من الغريب أن ينمو في الوزان الشغف بالثقافة و العلم. و قد درس في جامعة القرويين التي كانت تعد من أهم المنابر العلمية آنذاك (جدير بالذكر أن تلك الجامعة تم تسجيلها في موسوعة جينيس للأرقام القياسية Guinness World Records كأقدم مؤسسة للتعليم العالي تعمل حتى الآن, يأتي بعدها مباشرة جامعة الأزهر بالقاهرة ثم جامعة المستنصرية ببغداد, و قد درس فيها شخصيات مهمة مثل الشريف الإدريسي, ابن خلدون, موسى بن ميمون الطبيب و الفيلسوف اليهودي, سيلفستر الثاني الذي شغل منصب البابا في آواخر القرن العاشر). أهلّته دراسته لأن يكون فقيهاً, ثم رافق أحد أعمامه في بعثة دبلوماسية إلى جنوب غرب أفريقيا, وصل خلالها إلى تمبكتو و ممالك أفريقية أخرى. في وقت لاحق زار مصر و القسطنطينية في مهام تجارية و دبلوماسية, كما حج أثناء إقامته في المشرق, و كان لتلك الزيارات أعمق الأثر في إثراء معلوماته, الأمر الذي ساعده على إتمام كتابه المعروف “وصف أفريقيا”.
أثناء رحلة العودة من القاهرة في عام 1518, سقط في الأسر على يد قرصان خلال توقف سفينته بالقرب من جزيرة, في الأغلب هي جزيرة جربة Djerba بالقرب من سواحل تونس, و في مقولة أخرى أنه أُسر بالقرب من جزيرة كريت. و تم إقتياده إلى جزيرة رودس Rhodes حيث يقطن جماعة فرسان القديس يوحنا Knights of St. John, ثم اقتيد بعد ذلك إلى روما كهدية للبابا ليون العاشر Pope Leo X الذي أكرمه و أعطاه مميزات عديدة في بلاطه. و قد كان البابا (لحسن حظ الوزان) من محبي العلم و العلماء, فأعجب بخبرات حسن الوزان و دقة معلوماته, مما مكنه أن يحظى بمكانة رفيعة في وسط أوروبي غير مألوف لديه.
تخبرنا المصادر بأن البابا دعاه إلى إعتناق المسيحية, في سنة 1520، و البقاء لتدريس اللغة العربية في روما. فسماه “ليون الأفريقي”, و هو الاسم الذي اشتهر به في الوسط الأوروبي, و لهذا الاسم عدة تصاريف حسب اللغة أو اللهجة المستخدمة: Johannes Leo / Giovanni Leone de Medicis / Leo Africanus. و في 1521 ، فقد معلمه البابا ليو العاشر الذي توفي في ذلك العام. ثم انتقل إلى بولونيا, و عاد في وقت لاحق إلى روما ، بعد زيارة نابولي وفلورنسا. لا يعرف الكثير عن ليون الأفريقي بعد ذلك, و يقال أنه غادر روما في عام 1527 متوجهاً إلى تونس, في حين يقول البعض الآخر أنه شق طريقه من تونس إلى المغرب وتوفي هناك. في كلتا الحالتين يرجح الباحثون أنه قد رجع إلى الإسلام قبل وفاته.
كتب حسن الوزان خلال إقامته بروما مجموعة كتب في اللغة و الأدب و الجغرافيا أشهرها كتاب “وصف أفريقيا”, بالإضافة إلى قاموس عربي-لاتيني-عبري (الجزء العربي منه محفوظ في Escorial Library بأسبانيا). كما درّس اللغة العربية لبعض الطلاب في البلاط البابوي, أشهرهم الكاردينال (الشاعر) Egidio Antonini of Viterbo (1465-1532) الذي بدوره علّم المستشرق الألماني الشهير Johann Albrecht von Widmanstetter (1506- 1557).
نشر كتاب “وصف أفريقيا / Descrittione dell’ Africa” باللغة الإيطالية في سنة 1550 ضمن مجموعة كتب عن الرحلات Delle navigationi e viaggi التي نشرها Giovanni Battista Ramusio. لقي الكتاب نجاحاً هائلاً في أوروبا, و تمت ترجمته للعديد من اللغات. و لحسن الحظ في القرن العشرين تم العثور على النسخة العربية الأصلية للكتاب, و أكتُشف أن Ramusio غيَّر بعض ألفاظ الوزان لجعلها أكثر قبولاً للقارئ الأوروبي, مما أعطى للكتاب بعض الإنطباعات الغير حيادية, خاصة في وصف المجتمعات الأفريقية.
للأسف لا يوجد اهتمام عربي كافي بسيرة حسن الوزان, في حين نجد اهتمام غربي شديد بهذه الشخصية الفذة. إذا جربت أي وسيلة بحث بسيطة على الانترنت باللغة العربية ثم باللغة الانجليزية, لوجدت أن المصادر و الدراسات التي كتبت عنه باللغة الانجليزية أضعاف ما كتب عنه باللغة العربية. بل أن بعض المؤسسات قامت بتمويل أبحاث متخصصة في سيرة هذا الرحال, و أقيمت مؤتمرات دولية جمعت متخصصين من مجالات مختلفة (تاريخ, علم الإنسان, الجغرافيا, علم اللغة, الفلسفة) تبحث في دلالة استكشافاته, مثل المؤتمر الذي نظمته l’École des Hautes Études en Sciences Socials بباريس في مايو 2003. من جهة أخرى يعد أشهر الاهتمام العربي به هو رواية “ليون الافريقي” التي كتبها الكاتب اللبناني أمين معلوف بالفرنسية في 1986, و التي لاقت صدى كبير في الأوساط الأدبية العربية و الغربية.
ما أحوجنا اليوم إلى دراسة مثل تلك النماذج التاريخية للتفاعل الحضاري و الثقافي بين الشرق و الغرب, دراسة تبني هناك قاعدة صلبة لمتطلبات الحوار بين الحضارات و ال.
مصادر مقترحة لمزيد من المعلومات عن حسن الوزان:
• “حياة الوزان الفاسي و آثاره” محمد المهدي الحجوي , المطبعة الاقتصادية, الرباط, 1935 .
• “Trickster Travels: A Sixteenth-Century Muslim between Worlds”, Natalie Zemon Davis, New York: Hill and Wang, 2003, ISBN: 0–8090–9434–7.